آسفي المدينة المغربية الساحلية "صغيرة في حجمها،كبيرة بفنها وفلسفتها وحضارتها"كما وصفها سفير الفن التشكيلي الفنان الكبير "محمد بوليس"حين مشاركته في الملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي الذي أقيم في هذه المدينة ما بين 20 و27 غشت 2011.
كان شرفا كبيرا لأبناء المدينة من الفنانين وغير الفنانين الذين قابلوا هذا الرجل الذي ناضل بريشته واعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي..هذا الرجل المصاب بمرض مزمن يصعب معه صوم رمضان،ويقيم الصلاة جالسا على كرسي،وأراه تحركه العزيمة والصمود أكثر مما تسعفه رجلاه في مشيته المختلة بعض الشيء.
إصرار هذا الفنان العملاق على مقاومة اعتلالات الزمن،وطيبوبته وتواضعه الفريدين من نوعهما ،هي صفات لا يمكنها إلا أن تجعلك تحبه.
كانت لحظات الحضور إلى جنبه رائعة بكل المقاييس؛لن تملّ الجلوس معه حتى وهو صامت.أبى هذا البرج السامق إلا أن يشاركه الفنانون المبتدئون معرض لوحاته بكل تواضع ونكران للذات.وكم فنانا لدينا يعانق عالم الاحتراف وما وصل مستوى "بوليس" بعد،ولكن عرض لوحاتك إلى جوار لوحاته يشكل ضربا من المستحيل،وكأن قاعات العرض لم تُنشأ إلا لهؤلاء..بوليس كسر هذه القاعدة،بل الأكثر من هذا فقد تبرع بكل ما معه من لوحاته لجهات مختلفة بآسفي كان أهمها دار المسنين وجمعية معاونة المعاقين.
على الرغم من ضعف بصره،لا تزال يدا بوليس تطاوعان أحاسيسه في حركات تلقائية تتناغم وتداعيات روحه،وفي دقائق قليلة جدا تطبعان لمسة سحرية ،ينتهي العمل وترى اللوحة زاخرة بالحياة.
حز في نفوسنا كثيرا ألا يجد هذا العملاق الحفاوة اللائقة برجل من طينته،خاصة على مستوى الاستقبال الرسمي ،حاول كل منا تقديم ما في مستطاعه ليقضي بيننا بوليس أياما سعيدة..كان مقر حزب العدالة والتنمية المتواضع هو البيت الذي آواه رفقة الفنانتين الشابتين سعاد سعدي من الرباط،وغزلان صداف من مراكش،إضافة إلى بعض الشباب الفنانين من مدينة أكادير،على رأسهم عبدالرزاق الساخي رئيس جمعية الريشة بأكادير وهو صاحب فكرة الملتقى الدولي بتنسيق مع ودادية سيدي واصل بآسفي في شخص رئيسها النشيط عبدالحق عبّوش،ثم الفنانة التشكيلية زهرة الطبيعي من طانطان..لكن كل ذلك لم يكن كافيا كي نوفي الضيف الكبير ما يستحقه،الحق يقال؛لقد كان الضيف أكثر منا كرما.
نرجو أن يتدارك المسؤولون خطأهم الفادح في المرة القادمة خاصة وأن "بوليس" وعدنا بالعودة إلى آسفي للإشراف على الملتقى الدولي الثاني للفن التشكيلي والذي ستتشرف المدينة بتنظيمه.
بقلم :عبدالحق الغِلاق